Sunday 3 July 2011

:كبريت: نقاشات بيني وبين الموالين والفجوة للأسف باتساع

 Posted on by كبريت

لا أستطيع الإنكار بأنني ومنذ بدأت الكتابة على الفايسبوك أو التعبير عن رأيي بالحياة العامة لم يخلُ يومٌ من مشادةٍ أو مواجهةٍ بيني وبين شخص موالي صديق كان أم غريب. الموضوع الأساسي أن الحوار بالنسبة لي لم يكن حوارا بهدف الحوار والجدال، بل حوار بهدف الرغبة بفهم طريقة تفكير الأخر طريقة التفكير التي تسمح للبعض بتبرر القمع ومئات التجاوزات القانونية والأخلاقية من النظام أو الموالين له. فمثلا في مشروع دمر نعاني منذ حوالي الشهرين من قطع منقطع النظير للانترنت سواء الأي دي أس إل أو الجيل الثالث وعندما ذكرت هذه الفكرة أمام موظفة موالية في مكان عملي، كان جوابها أو لنقل اتهامها (شو عاملين؟) إشارةً منها إلى سكان الحي. شعرت على الفور بشعورٍ غريبٍ، يدفعني للقول: سامحني يا ربي، فأنا أعيش بالخطيئة منذ ولدتني أمي، وكأني متهمةً وبدون أي دليل أو سبب. وهنا تبرز نقطة أساسية نجدها لدى الكثير من الموالين، وهي تحويلنا نحن الشعب في خدمة الدولة لا الدولة في خدمتنا، وهذه الدولة تمتلك الحق بقطع الكهرباء والاتصالات والماء عن أي منطقة متى شاءت عندما يقوم سكان حيٍّ ما بكسر عصا الطاعة. ولم نسمع استنكار من المواليين على هذا القطع الغير قانوني طبعا. لكن إن قرر الناس المحتجون استعمال ورقة العصيان المدني والامتناع عن دفع الفواتير تتعالى الأصوات المخونة متهمة إياهم بالتخريب دون الشعور بأي نوع من أنواع المفارقة الواضحة.

أكيد كلنا ضد السلفية ونخاف منها، ولكن عندما يصبح الخوف هو الهاجس الذي يقود خياراتنا وتصرفاتنا، نجد أنفسنا أمام مفارقة من نوعٍ آخر. فنحن إذا أردنا توصيف الإمارة السلفية، واسمحوا لي أن أذكركم بفيلم المصير للراحل يوسف شاهين، ففيه كانت ذاك المكان الذي يغيب فيه العقل ويتحول الإيمان بالدين من خيارٍ يقوم به الإنسان العاقل، المتمثل بابن رشد ، إلى حالةٍ من الجهل والتعصب تنتج إيماناً مفروضاً، يقوده الأمير ذاك الأمير الجميل كالقمر، في عينيه نرى الله، وهو الذي لا يخطئ، هو ذو التسعة والتسعين صفة، زائد واحد. به نأتمر ونثق بحكمته، ومن هذه الحكمة نقتل الكافرين ونلاحق عائلاتهم حتى يرجعوا عن كفرهم إلى دين آبائهم، ليصبح الدين هو وهو الدين. أتذكر شعوري عند مشاهدة هذا الفيلم، بالرغم من صغر سني وقتها، أتذكر بأنني شعرت بالخوف من رؤية غياب العقل، وبالتأكيد هو غياب لم أكن أتمنى أن أراه في سوريا، ولكن للأسف لقد تسلل هذا الغياب بيننا منذ أشهر في مكان ليس ببعيد. هنا في دمشق، رأيت غياب العقل على الطريقة السلفية، فتحولت الوطنية من خيار أنساني وطني إلى حالةٍ ممزوجةٍ من الجهل والتعصب والعنف، حيث انتشرت الشعارات الفارغة والمخجلة أحياناً مثل “مطرح ما بتدوس … منركع ومنبوس” و”يا الله حلك حلك … اتحط بشار محلك”، حتى وصل بالبعض إلى الاقتباس والتحريف من القران بشكل فهمه الكثيرين كشكل من أشكال الاستفزاز، لنجد لدينا الرئيس المفدى الحكيم قائد الإصلاح الأوحد والوحيد هو الوطن والوطن هو وغيرها من الصفات التي ربما لو أحصيناها قد تصل للمئة، ليتحول إلى “خليفة الله على الأرض” كما قال احد المحللين السياسيين الموالين للنظام. وانطلق هؤلاء الشباب يشتمون كل المعارضين ليرجعوا عن خيانتهم إلى ولاء آبائهم. عندما رأيت صورة شبابٍ راكعين على الأرض خلال مسيرة في لبنان ساجدين ليقبلوا صورة الرئيس المنزل رحمة لسوريا من عند الله، كانت الصدمة كبيرة، حتى وجدت نفسي بالحمام أتقيئ حزناً على هؤلاء الشباب وخوفاً على مستقبل المنطقة، ورأيت فيهم أشخاص ينطبق عليهم قول الإمام علي بن أبي طالب: “الناس من خوف الذل في ذل”.
وأنا لست هنا أهاجم الموالاة كخيارٍ سياسي، من حق أي شخص حكّم عقله واختار أن يكون موالياً. كما أنني لست ضد الدين، كما كان يوسف شاهين في فيلمه، بل ضد التطرف وغياب منطق الفلسفة والبحث العلمي العقلي ليتحول الدين لمعتقدٍ فارغٍ، ينسى فيه السلفيون أن مرجعهم هو عقلهم، فالله لم يشاهده الإنسان بل عرفه العقل كما يقول فلاسفة الدين ومنهم ابن رشد، وهنا يتحول الولاء للوطن شعاراً قد ينسى فيه المتطرفون أن الوطن فوق الجميع وأن المعارضة هي فعلٌ وطنيٌّ يدفع الوطن للأمام.

الإصلاح؟ من منا ليس مع الإصلاح؟ من منا يهوى المعارضة والسجن والاعتقال والانشقاق الاجتماعي والسياسي؟ ولكن أين الإصلاح؟ أبدأ هنا بالقول أنّ “كل إصلاحٍ لا يهدف إلى تحسين الأحوال بل للإبقاء عليها ليس صالحاً ولا يعول عليه” .1  فإلغاء حالة الطوارئ لم يتم فعلياً، فهاهو أحد أصدقائي مازال قابعاً بالسجون بدون محاكمة أو اتهام، كان قد اعتقل بعد يوم من إلغاء قانون الطوارئ من أمام منزله بدون مذكرة قضائية، وغيره المئات القابعين بالسجون على الرغم من صدور عفوين رئاسيين لم يساهما بالإفراج عن أغلب المعتقلين السياسيين، ليصبح العفو وإلغاء حالة الطوارئ بإطار الحبر على الورق.

أما قانون التظاهر فهو كارثة بحد ذاته. بالوقت الذي يتوجب على المعارضون و ناشطون من المجتمع المدني أن يجاهدوا بكل صعوبةٍ للحصول على ترخيص وقفة صامتة على أرواح الشهداء، حتى صار من المعيب أن يتقدّم الشباب السوري بطلب موافقة للوقوف صمتاً بمكان عام كحديقة الأمة التي زينت بشعلة الجندي المجهول بسبب تجمع الوطنيين أمامها من طلاب مدرسة التجهيز الأولى “جودت الهاشمي” وطلاب مكتب عنبر للتظاهر وإبداء الرأي أيام الانتداب الفرنسي لسوريا، وعندما حصلوا على ترخيص الوقفة الصامتة حدث ما حدث من مسيرةٍ مؤيدةٍ مضادةٍ غير مرخّصة، أطلق الخارجون فيها الشتائم واعتدوا على بعض المنظمين. أما الكارثة الأكبر هي أن المئات من المظاهرات الموالية التي تخرج هي غير مرخّصة وبدون أن يحاسبها أحد وبعضها تقوم بإزعاج الناس بالبيوت من خلال زمامير السيارات، فهي كما قال أحد موظفي المحافظة، وقد سمعته بنفسي على الراديو يقول: “إن التظاهرات المؤيدة هي مظاهرات للتعبير عن حب الوطن والقائد والولاء وهي لا تحتاج إلى ترخيص من احد”، الذي هو اعتراف واضح من حضرة الموظف بأن الهدف الأساسي من قانون التظاهر هو منع التظاهرات لا حمايتها وأمنها كما يدعي القانون، بل أكثر من ذلك هو يحدد معيار الترخيص من عدمه بحسب هدف المظاهرة وشعاراتها.

لن أقف كثيرا عند نظرة الموالين للإصلاح. ولكن أقول أن أكثر الأشياء غرابةً، هو بأن نفس الأشخاص، أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع قبل خطاب الرئيس الأول ليهتف أغلبهم للولاء ولمسيرة ما كان يدعى وقتها التطوير والتحديث بدون الإشارة لا من قريب ولا من بعيد من خلال شعاراتهم إلى الحاجة للإصلاح، نجد هؤلاء المتظاهرين ذاتهم بعد ثلاث أشهر يهللون ويهتفون لقرارات إصلاحية هم لم يطالبوا بها أصلاً ولم يرو الحاجة لها سابقاً، ليقدموا لنا مفارقةً جديدةً. كذلك في الوقت الذي نجد أن التظاهرات في سوريا لم تكن متأخرةً جداً عن نظيرتها بالمغرب، يصوّت الشعب المغربي على دستورٍ جديدٍ بينما مازلنا هنا في سوريا نتجادل حول ما إذا كان تخفيض سعر المازوت إصلاحاً أم لا.

وأخيرا ليس الهجوم أو التشهير أو التطرف هو الذي يقود الإنسان أيا كانت أفكاره وتوجهاته. واقتباس عن إحدى صديقاتي لأقول أن هناك فرقاً بين المعارض والحاقد، فالأول هدفه البناء، أما الثاني فالانتقام. أضيف أيضاً أن هناك فرقاً بين الموالي والمجيّش، فالأول إن كان حضارياً يجذب الناس، أما الثاني فبتطرفه ومخالفته القوانين ينفّر الناس ويزيد انقسامهم.

No comments:

Post a Comment