ي تحوُّل مفاجئ يؤشِّر على مقاربة جديدة لوسائل الإعلام الغربية للاحتجاجات التي تشهدها سورية منذ أكثر من 100 يوم، تنشر صحيفة الصنداي تايمز البريطانية على صفحتها الأولى في عددها الصادر اليوم تحقيقا مصوَّرا لمراسلتها في العاصمة السورية دمشق، هاله جابر، جاء بعنوان "المسلحون الإسلاميون يدخلون في معركة مواجهة مع النظام السوري"، ويتحدث عن "سلسلة من الهجمات التي شنَّها متطرفون على القوات الأمنية في سورية".
أمََّا الرسالة التي تبعث بها تلك الهجمات، حسب الصحيفة، فهي "إثارة المخاوف من اندلاع حركة إسلامية مسلََّحة ضد الرئيس السوري بشار الأسد"، والذي دأبت غالبية وسائل الإعلام العربية والعالمية على اتهامه بممارسة العنف لقمع مظاهرات الاحتجاج ضدَّ نظامه.
يقول تقرير الصنداي تايمز: "لقد أطلق مسلََّحون مدجَّجون بالسلاح النار في أربع بلدات على الأقل انتقاما لمقتل المتظاهرين السلميين على أيدي القوات الأمنية التابعة للأسد."
ويذكر التقرير أن "أربعة رجال شرطة قُتلوا في هجوم واحد شنَّه مسلَّحون على ثكناتهم في بلدة معرَّة النعمان الواقعة شمال غرب البلاد، مستخدمين فيه الرشاشات ومنصَّات إطلاق الصواريخ."
وتضيف الصحيفة أن الانعطافة الجديدة في تطورات الأحداث في سورية جاءت بعد مضي ثلاثة أشهر من "القمع العنيف للمتظاهرين الذين يطالبون بمزيد من الحريات والديمقراطية".
تجربة شخصيَّة
وعلى الرغم من تركيزها على تأكيدات شخصيات المعارضة على أن "معظم المتظاهرين غير مسلَّحين، ولا صلة لهم بالجماعات الإسلامية"، إلاَّ أنَّ المراسلة تروي لنا تجربة شخصيَّة تقول إنها عايشتها على أرض الواقع خلال تواجدها في سورية، إذ تقول: "لقد رأيت الأسبوع الماضي مسلَّحين ملتحين وسط المتظاهرين حيث كانوا يستفزُّون الجنود في بلدة معرََّة النعمان".
وتلفت الصحيفة أيضا إلى أن "رجال دين متطرِّفين في السعودية دعوا إلى الجهاد ضد النظام السوري، فهنالك ثمَّة إشارات متزايدة على أن هنالك أسلحة تُهرَّب إلى داخل البلاد من العراق ولبنان وتركيا
وعلى كامل صفحتها التاسعة والعشرين، تنشر الصحيفة أيضا نصَّ التقرير المصوَّر الذي جاء بعنوان "نيران المتطرِّفين تشعل سورية"، وتقول فيه: "لقد جرى اختراق المظاهرات المؤيِّدة للديمقراطية من قبل الجهاديين المسلَّحين الذين يستفزُّون الجيش للدخول بمعارك بالأسلحة الفتاكة".
بداية تروي لنا المراسلة كيف أن المتظاهرين بدأوا بالاحتشاد في الميدان الرئيسي في معرَّة النعمان، واستمر الأمر على ذلك النحو حتى بلغ عدد المشاركين في الحشد حوالي خمسة آلاف متظاهر، "إلاَّ أن رجالا يحملون معهم مسدَّسات انضموا إلى المتظاهرين".
وتضيف: "في البداية كان وجوه العشائر هم من يقودون المظاهرة ظانِّين أن أولئك الرجال إنَّما جاؤوا ببساطة مستعدين للدفاع عن أنفسهم في حال حدث إطلاق نار".
وتردف المراسلة قائلة: "لقد رأوا المزيد من الأسلحة: بنادق ومنصَّات إطلاق صواريخ يشغِّلها رجال بلحى كثيفة ويستقلون سياراتهم، وقد حمَّلوا الأسلحة على متن عربات نقل خفيفة (بيك أب) لا تحمل لوحات تسجيل عندئذ علموا (أي وجوه العشائر) أن المشاكل باتت تنتظرهم".
صحفيون أجانب
تقول المراسلة إنها وصلت إلى العاصمة السورية دمشق يوم الثلاثاء الماضي، حيث كانت أوَّل صحفية غربية تدخل سورية بمعرفة السلطات الرسمية السورية منذ بدء الاحتجاجات في الخامس عشر من شهر مارس/آذار الماضي.
وتضيف: "لقد وعدني كبار المسؤولين أنه بإمكاني التحرُّك وإرسال تقاريري بحريَّة. ولكي أختبر مثل تلك الوعود، تحدَّثت فعلا إلى شخصيات من المعارضة وإلى نشطاء، بالإضافة إلى أعضاء في الحكومة".
وتردف قائلة: "لقد وجدت بلدا يتحلَّى شعبها النابض بالحياة بتصميم متزايد على ضمان إجراء التغيير، وبدا أن قادتهم غير متأكدين من كيفية الاستجابة لمطالبهم".
مسيرة تأييد للأسد
وترفق الصحيفة التحقيق بصور أربع: متظاهر يرشق دبابة بالحجارة، وآخرون يحملون زميلهم المصاب ويهرعون لإسعافه بعيدا، ومجموعة أخرى من المحتجين الذين تبدو عليهم علامات التحدِّي الواضح للسلطة، وأخيرا الرئيس الأسد وعقيلته أسماء، وقد راحا يلوِّحان بيديهما ويبتسمان، وتحت الصورة تعليق يقول: "مصمِّم على البقاء في السلطة".
صحيفة الأوبزرفر هي الأخرى تتناول اليوم الوضع السوري، فتعنون تقريرا لمراسلها في اسطنبول، مارتن تشولوف: "سورية تعزِّز حدودها مع تصاعد الغضب في تركيا".
وفي التفاصيل نقرأ كيف أن المراقبين ينظرون إلى نشر دمشق لجيشها في المناطق الحدودية مع جارتها الشمالية تركيا إنَّما يُعدُُّ بمثابة "تحذير" لأنقرة التي سعت مؤخرا لحمل القيادة السورية على إجراء إصلاحات شاملة والتوقُّف عن قمع المتظاهرين.
وتنقل الصحيفة عن دبلوماسيين في كل من أنقرة وبيروت قولهم إنهم يعتقدون أن السوريين، وعلى الرغم من هدفهم المُعلن بأن نشر الجيش على الحدود مع تركيا يرمي إلى ملاحقة المسلحين، إلاَّ أن مثل تلك الخطوة التصعيدية "تحمل في طيَّاتها رسالة تحذير مبطَّنة إلى تركيا".
"لا تصدِّقوا"
وفي موضوع ذي صلة، وإن كان يرصد الأوضاع في المنطقة من باب "الربيع العربي" الواسع، نطالع في الإندبندنت تحليلا إخباريا مطوَّلا لباتريك كوبيرن يقدم من خلاله رؤية ناقدة فاحصة لتعامل وسائل الإعلام العربية والأجنبية مع الثورات والاحتجاجات التي شهدتها وتشهدها دول المنطقة.
وعلى الرغم من أن المقال جاء بعنوان "لا تصدِّقوا كل شيء ترونه وتقرأونه عن القذافي"، إلاَّ أن الكاتب يعرِّج أيضا على ما تشهده دول المنطقة الأخرى من أحداث يرصد انعكاساتها وأساليب معالجة وسائل الإعلام المختلفة لها.
القذافي
انتشرت مؤخرا أنباء غير مؤكدة عن ممارسات قوات القذافي حيال المدنيين.
يقول الكاتب: "خلال الأشهر الأولى من الربيع العربي، نال الصحفيون الأجانب شرفا مستحقّا لإثارتهم للانتفاضات الشعبية العربية في وجوه طغاة المنطقة المستبدِّين، والترويج لتلك الاحتجاجات."
ويرى أن رد حكَّام دول المنطقة على أولئك الصحفيين الأجانب "المحرِّضين" جاء سريعا، وذلك عبر حرمان ممثلي وسائل الإعلام من كافة التسهيلات التي كانت ممنوحة لهم، لا بل أن بعض بلدان المنطقة ضيَّقت عليهم ومنعتهم من دخول أراضيها لرصد ما يجري فيها من أحداث.
أمَّا بشأن نتيجة ذلك المنع، فيقول كوبيرن: "أصبحت التغطية الصحفية للأحداث في سورية واليمن، وإلى درجة أقل البحرين، تغطية عن بعد، وذلك بالاعتماد على اللقطات التي تسجِّلها كاميرات الهواتف المحمولة للمظاهرات وأعمال الشغب، وهي تسجيلات لا يمكن التأكُُّد من صحتها ومن دقتها."
ويدلِّل الكاتب على عدم الدقة والمصداقية التي تطبع أحيانا هذا النوع من التغطية الصحفية عن بعد لأحداث هامة بما حصل معه في طهران في وقت سابق من العام الجاري حيث تجوَّل في المدينة ولم يلحظ خروج أي مظاهرات فيها في ذلك اليوم.
ويضيف: "لذلك، فقد ذُهلت عندما وجدت على موقع يوتيوب تسجيل فيديو مثير يعود تاريخه ليوم 27 فبراير/شباط، وتظهر فيه مظاهرة اتَّسمت بأعمال عنف."
ومردُّ ذهول المراسل ذاك لم يكن "المظاهرة المفاجئة"، بل "لأنني لاحظت أن المتظاهرين في الفيديو كانوا يرتدون قمصانا فقط، وذلك على الرغم من أن الطقس في طهران كان ماطرا ووصلت درجات الحرارة في المدينة إلى الصفر. كما أنَّ الرجال الذين شاهدتهم في الشوارع كانوا يرتدون سترات."
ويعتقد المراسل أن أحدهم أخذ لقطات فيديو يعود تاريخها لصيف عام 2009، وذلك عندما شهدت طهران أعمال شغب مطوَّلة. بعدها، عاد وأرَّخها بتاريخ جديد، وكأنَّها مظاهرات وقعت للتوِّ."
ويرى كوبيرن أن مثل هكذا تزييف وإعادة تصنيع الأشرطة والمعلومات جرى ويجري في بلدان عدة في المنطقة كمصر واليمن وسورية، وتحديدا ليبيا، حيث تبيَّن صعوبة إضفاء أي مصداقية تُذكر على الكثير من تلك المواد، التي اعُتبرت حقيقية وأصلية في البداية.
"ضعف المصداقية"
وليد المعلِّم، وزير الخارجية السوري
بعثث سورية مؤخرا برسائل تحذير إلى تركيا.
ويدلِّل الكاتب على ضعف مصداقية مثل تلك المعلومات التي تتناقلها وكالات الأنباء ووسائل الإعلام على أنه "حقائق" بما واجه منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان، والتي لم تتمكن من إيجاد أدلِّة على صحة العديد من تلك الأنباء.
ويقول: "على سبيل المثال، هم لم يتمكَّنوا من تقديم شهود ذوي مصداقية لإثبات وقوع جرائم اغتصاب جماعي قيل إن (العقيد الليبي معمَّر) القذافي كان قد أمر بارتكابها."
ويختم بقوله: "كما أن المرتزقة الأجانب، والذين من المُفترض أن يكون القذافي قد جنَّدهم، عُرضوا على الصحافة على أنَّهم مُرتزقة بالفعل. لكن، أُفرج عنهم في وقت لاحق عندما تبيَّن أنهم لم يكونوا سوى عمَّالا لا يحملون وثائق، وقد جاؤوا من وسط وغرب أفريقيا للعمل في ليبيا."
وعن الشأن السعودي، نقرأ في الأوبزرفر تحقيقا مصوَّرا لجاسون بيرك جاء على صفحة كاملة، ويتحدث عن وضع العمَّال الأجانب في السعودية، وتحديدا الخدم منهم، وما يعانونه على أيدي مخدوميهم.
يقول التحقيق: "يحوِّل العمَّال الأجانب في السعودية 27 مليار دولار أمريكي إلى أوطانهم كل عام. لكن البعض منهم يدفع الثمن غاليا نتيجة الانتهاكات الجسدية والذهنية التي يتعرضون لها."
BBC Arabic - عرض الصحف - الصنداي تايمز: مسلَّحون إسلاميون في مواجهة النظام السوري ودعوات سعودية للجهاد
No comments:
Post a Comment